ليس دفاعاً عن الناشط الفلسطيني أمين أبو راشد بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ليس دفاعاً عن الناشط الفلسطيني أمين أبو راشد بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا أنوي في مقالي هذا الدفاع عن الناشط الفلسطيني أمين أبو راشد، الذي اعتقلته السلطات الهولندية بتهمة دعم حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وإن كان يستحق من كل الصادقين المخلصين، ومن أصحاب الضمائر الحية وذوي النوايا الحسنة، إبراز قضيته وتسليط الأضواء عليها، والدفاع عنه ومطالبة السلطات الهولندية بسرعة الإفراج عنه، وتعويضه عما أصابه ولحق به، والاعتذار له عن الطريقة التي أعتقل فيها، وقد كان جديراً بالحكومة الهولندية التي يحمل أبو راشد جنسيتها، أن تكرمه وتكافئه، وأن تقدر جهوده وتشجعه، فما كان يقوم به من أعمالٍ خيرية ومساعداتٍ إنسانية، تجعلها تفخر به وتعتز، لا أن تعتقله وتحاكمه.

لكن الحكومة الهولندية التي يتمتع بجنسيتها منذ أكثر من أربعين عاماً قد أساءت له وأخطأت معه، وهو الفلسطيني الذي لجأ إليها من لبنان جريحاً مصاباً، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا التي كان بعض أهله من ضحاياها، وهي التي نعيش ذكرى مأساتها الواحدة والأربعين، وهو وإن نجا منها وقد كان صبياً صغيراً، فإن جسده النحيل ما زال يحمل الكثير من آثار هذه الجريمة النكراء، التي ارتكبها من أوشى به وحرض على اعتقاله، وخدع السلطات الهولندية وقدم لها المعلومات الكاذبة والمزورة، ليسوغ اعتقاله ويبرر محاكمته ومحاسبته، في الوقت الذي كان ينبغي عليها تسطير مذكرات اعتقالٍ دولية ضد الجهات التي قتلت أهله وأفراد عائلته، وتسببت في إصابته وبتر ذراعه.

كان حرياً بالجهات التي قامت باعتقال “أبو راشد”، أن تدقق في المعلومات التي وصلتها، وأن تستقصي الحقيقة قبل أن تقوم بمداهمة بيته وترويع أهله، وسوقه مكبلاً كما المجرمين إلى سجنٍ بعيدٍ لا تستطيع عائلته الوصول إليه بسهولة، وأن تدرك أن الجهة التي قدمت لها المعلومات وزورتها، هي نفس الجهة التي قامت بعملية قرصنة دولية لسفينة إغاثةٍ إنسانية في عرض البحر الأبيض المتوسط، قبالة شواطئ قطاع غزة الذي تحاصره منذ أكثر من سبع عشرة سنة، فقتلت عدداً من المتضامنين مع الفلسطينيين المحاصرين، واعتقلت في الحادثة نفسها “أمين أبو راشد”، ولما لم تكن باستطاعتها توجيه تهمةٍ له تجيز استمرار اعتقاله ومحاكمته، فقد اضطرت أن تفرج عنه وترحله إلى بلاده “هولندا”، بعد أن تأكد لها أن أعماله إنسانية، وأن جهوده خيرية، وأنه يعمل بموجب قوانين “بلاده” للتضامن مع شعبه ورفع الحصار عنهم.

كما كان على الحكومة الهولندية التي تدعي أنها تساند الفلسطينيين، وأنها تعارض سياسات الحكومات الإسرائيلية ضدهم، وترفض سياسات الحصار والتجويع والعقوبات الجماعية التي تمارسها ضد الفلسطينيين، وجرائم القتل والإبادة والاعتقال والطرد والمصادرة والاستيطان التي ترتكبها بحقهم، أن تسأل سفارتها في فلسطين المحتلة عن الخدمات الإنسانية التي يقدمها أبو راشد للمواطنين الفلسطينيين المعوزين المحتاجين لأبسط المساعدات، ولماذا هي الحكومة الإسرائيلية غاضبة منه وحانقة عليه، ولماذا تريد اعتقاله وتجميد نشاطه، ألأنها تعلم أن جُل عمله كان مساعدة الفلسطينيين في ترميم البيوت التي دمرها عدوانهم، وعلاج الجرحى والمصابين الذين أطلق عليهم جنود الاحتلال رصاصهم القاتل.

هل سألوا الفلسطينيين في قطاع غزة كم عربة طبية وفرها للمرضى المسنين والمصابين المقعدين، وكم مريضاً عالج وشاباً زَوَّجَ، وكم طالباً معوزاً سدد عنه أقساطه الجامعية، ومكنه من مواصلة دراسته، وكم أسرة فقيرة ساعدها وتفقد أحوالها، فاشترى لأطفالها فراشاً عليه ينامون، وأغطيةً بها يحمون أنفسهم من برد الشتاء، وكم بيتاً أدخل عليه الفرحة والمسرة صبيحة أيام العيد، ببعض أضاحي ساهم في توفيرها، وأشرف على توزيع لحومها على بيوت كثيرة لا تعرف طعم اللحم إلا في المناسبات.

ألم يروا أكف الكثير من الفلسطينيين ترفع وهي تدعو الله عز وجل له بالبركة، وأن يجزيه عن عمله خير الجزاء، فلقد كان يتلمس الجراح، ويسأل عن البيوت المستورة والعائلات المتعففة، ويقدم المساعدة حيث يستطيع، وهو يعلم أن ما يقدمه قليل، وأن ما يتوفر لديه لا يكفي، لكنه جهد المقل، في الوقت الذي تقف فيه الدول والحكومات عاجزة عن تقديم العون والمساعدة للمتضررين بسبب الكيان الذي أوجدوه، والدولة التي زرعوها ومكنوها، وساندوها وأيدوها، وسلحوها ودافعوا عنها.

أمين أبو راشد لم يكن يقدم المساعدة للفلسطينيين في قطاع غزة وحسب، بل اهتم بكل المحتاجين والمتضررين، ولم يكن يفرق بين محتاجٍ وآخر، فقد كانت مهمته إنسانية، وجهوده خيرية، بعيداً عن الحسابات السياسية والانتماءات الحزبية والتابعية القومية، ولهذا فقد تجشم الصعاب وتعرض للأخطار، وغامر بحياته وهو ينظم حملات الإغاثة  لمساعدة السوريين في أماكن القتال، وزار مخيماتهم واطلع على حياتهم وقدر حاجاتهم، وعمل بجدٍ لمساعدتهم، تماماً كما انبرى لنجدتهم إبان الزلزال المدمر الذي أصاب تركيا وشمال سوريا، فكان من أوائل الهيئات الإنسانية والجمعيات الخيرية التي هبت لنجدة المتضررين ومساعدة المنكوبين.

وهو نفسه الذي يمم شطر لبنان كثيراً، يتفقد أحوال اللاجئين السوريين والفلسطينيين على السواء، فزارهم في مخيماتهم، واستمع إلى شكواهم، واستجاب لبعضهم، وكان لا يفرق بينهم، ولا يتأخر عن مساعدتهم، ولا يتوقف عن السعي من أجلهم، رغم أنه مصابٌ ويعاني من إعاقةٍ بسبب بتر يده فضلاً عن فقدانه لإحدى عينيه، لكنه كان يشعر أنه يقوم بواجبٍ إنساني، ويؤدي مهمة نبيلة، فيفرح عندما يرسم بسمةً على شفاه الأطفال، ويسعد كثيراً عندما يرى مريضاً قد شفي ومصاباً قد برئ.

لست فيما أوردت مدافعاً عن رجلٍ انبرى لفعل الخير، وسعى لمساعدة الناس، فهذه شيمٌ قد تربينا عليها، وعادات قد نشأنا عليها، يدعونا إليها ديننا، وتحض عليه مجتمعاتنا، بل أدافع عن القيم والأخلاق والقوانين والمثل، ولا أظن أنا أبا راشد نادمٌ على ما قدم وأعطى، ولو أطلق سراحه فإنه سيعود لمواصلة ما بدأ، ولن يخاف مما قد لاقى، فهو يعلم أن ما يقوم به ليس جريمةً ولا مخالفة، وليس فيه ما يريب أو يثير الشبهة، وعلى الحكومة الهولندية أن تتراجع عن خطئها، وأن تعتذر عن إساءتها، وأن ترد على الكيان شكواه، وأن تعجل بإطلاق سراحه فوراً، فهو يستحق منها المكافأة والتكريم، لا العقاب والمحاكمة.

حلقة نقاش لمركز الزيتونة حول الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى
Uncategorized

حلقة نقاش لمركز الزيتونة حول الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، حلقة نقاش بعنوان “الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى”، على مدى جلستين، وبمشاركة نخبة من المتخصصين والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي الفلسطيني وقضايا المنطقة، وذلك يوم الأربعاء في 2024/11/27، عبر نظام مؤتمرات الفيديو (الزووم). أدار الجلسة الأولى، التي قُدِّمت خلالها أربع أوراق عمل، المدير العام لمركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان الأستاذ […]

اقرأ المزيد
فتح المجال للقوى التنويرية: ضرورة لمواجهة الأفكار الظلامية وتمكين العلم والعلماء في مصر
Uncategorized

فتح المجال للقوى التنويرية: ضرورة لمواجهة الأفكار الظلامية وتمكين العلم والعلماء في مصر

كتب .نادى عاطف تعد مصر منارة للحضارة والفكر على مدار التاريخ، حيث أضاءت بنور علمها وثقافتها مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، تواجه بلادنا اليوم تحديات كبيرة نتيجة انتشار الأفكار الظلامية التي تهدد التقدم والاستقرار. لذا، فإن الحاجة أصبحت مُلحّة لفتح المجال أمام القوى التنويرية ودعم العلم والتكنولوجيا كأدوات أساسية لبناء المستقبل. الأفكار الظلامية ليست مجرد […]

اقرأ المزيد
د. إبراهيم نجم في كلمته بالمؤتمر العالمي للأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية: حماية دُور العبادة من الاعتداءات مسؤولية دينية وإنسانية تتطلَّب تضافر الجهود الدولية
Uncategorized

د. إبراهيم نجم في كلمته بالمؤتمر العالمي للأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية: حماية دُور العبادة من الاعتداءات مسؤولية دينية وإنسانية تتطلَّب تضافر الجهود الدولية

ألقى الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، كلمةً خلال فعاليات المؤتمر العالمي للأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية المُنعقِد في لشبونة بالبرتغال، حيث استهلَّ كلمته بنقل تحيات فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إلى الحضور، وتمنياته لهم بالتوفيق والنجاح في هذا المؤتمر الهام […]

اقرأ المزيد